فى مساء عيد الأم

أأيتها الأم الغائبة عن هذه الدنيا ، والسارحة ابداً فى خيالى ! فى عيدك ، فى يوم الأم المبارك من السماء ، كان : مولدك الأبدي ..
ولدت من رحم الموت ؛ لتعيشي : الحياة الحقيقية التى يصبو إليها كل قلب .
عانينا مخاض الفراق ، وبكينا ...
بكاء مصحوباً بارتياح الفرح ،
ونحن ننظر إلى هديتك الالهية : الراحة من اتعابك من طعنة المرض اللعين!
فالولادة من الجسد ،
والولادة من الموت ،
تجبرنا :
أن نبكى فى افراحنا ..
ونفرح فى آلامنا ..!
غبت عنى يا أمى ،
فغاب عن عينى وجهك الباسم بملامحه الرقيقة الرزينة ،
ومعانيه الدقيقة الحنونة .
واشتاقت حواسي إلى رائحة أمومتك المنتشرة من فستانك العتيق !
يا أمنية غالية يسعى إليها حلم !
أراني فى المساء عندما انطرح على فراش الفراق الخشن القاسي ،
اذكر يديك اللطيفتين الناعمتين .
وفى الليل عندما تمتزج افكاري بابخرة الاحلام ،
اشعر بقدميك الصغيرتين تنقران الارض حول سريري ،
وفى الصباح افتح عيني ؛
لاراك ..
فلا أرى غير جدران غرفتي الداكنة !
ولاسمعك ..
فلا اسمع سوى صوت غيرك !
اخرج إلى الحقيقة ،
فأرى :
الأبناء الأوفياء ، يجلسون إلى أمهاتهم ، يذكرونها : بابتسامة ، بوردة ، بكلمة ، بقبلة ،...
وأرى :
كل الكائنات فى احضان امهاتها ، وتحت اجنحتها تتعانق ..
وأنا ، أنا وحدي ..بعيد عنك ، متشوق إليك يا أمي ..
فأبحث عنك فى الذكريات !
... ... ...
ياسيدة العطاء الخالد !
يا من عرضت ساعديك الكريمين لاحتراف العذابات الحياتية ،
من أجل أن يلمع فى ايدينا – صباح كل عيد – قرش ابيض كقلبك !
وبالونة حمراء كعينيك المتورمتين فى ليالي التدبير !
تأتين فى عيدك إلى طفولتنا التي لا تزال تحبو على طريق آلام الفراق ،
فأرى وجهك اللطيف الثابت ، يبتسم إلي من الاقاصى البعيدة ،
ويدك المباركة المدربة على ممارسة العطاء ،
تمتد إلي بسلتك الملأى بالذكريات الحلوة :
يوم تعلمنا منك – نحن أولادك – كيف نكون تلاميذ ليوحنا الحبيب ،
الذى قال لهم وصية الوداع : المحبة ، ثم المحبة ، ثم المحبة ...
وما أجمل المحبة بين الاخوة ،
التى هى من ثمرة إيمانك يا من سرت على درب لوئيس ، وافنيكي !..
ويوم تعلمنا منك :
انك فى احلك لحظات الجفاف لم تتواكلي .
ونفضت عن شفتيك ارتعاشات الشكوى .
ومسحت من على وجنتيك دميعات الاسى ...
ويوم تعلمنا منك ، وأنت على فراش المرض :
كيف لا يهتز ايماننا .
فحتى آخر وخزة من آلامك المضنية ،
كنت تؤمنين : بمعجزة الشفاء الالهي .
وقد اراد لك الله فى الموت : شفاء !
... ... ...
آه يا أم النور الذائب فى اعماقنا !
يا من لم يرضها من الدنيا سوى ابتسامتنا ..
اسمحي لى أن ابكي مرتين :
مرة ؛ لأنه فاتني فى حياتك على الارض ، أن ألتمس الصفح ، وانت قمته :
عن كل لحظة ألم سببتها لك راحتي .
عن كل ليلة سهر بجانب سريري لأغفو ملء جفوني .
وعن كل يوم سلخته من حياتك لاحيا فى كنف عطفك وحنانك .
ومرة ؛ لأن هديتي البسيطة ، دائماً ، لم تتمكني من تسلمها فى ذلك اليوم .
يا من لم تطلبى منا يوماً : طلبة واحدة لنفسك !
اطلب منك يا ام الحب وانت بجوار شفيعتك : مريم ..
أن تكوني : مونيكا – أخرى - ..
كلما اخذتني الخطية إلى عالمها المظلم .
فهذه كانت رسالتك المقدسة : أن نكون اطهاراً انقياء مبررين .
وهذا ايماننا : أن صلاتك هى الآن اكثر قرباً من قلب الله .
انني اسمع صوتك – يا من لم تطلب من الدنيا ولم تجد - :
أطلبوا تجدوا ...
وقد طلبت .